جامعة زايد تحتفي بفوز أحد أساتذتها بالجائزة في فرع الترجمة
22 Apr 2020احتفت جامعة زايد بفوز د. محمد آيت ميهوب أستاذ اللغة والآداب العربية بكلية التربية بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2020، فرع الترجمة، عن ترجمته كتاب "الإنسان الرومنطيقي" للفيلسوف والأديب الفرنسي جورج غوسدورف (1912 – 2000)، الصادر عن معهد تونس للترجمة.
وعبر د. ميهوب عن عظيم سعادته واغتباطه لهذا الاستحقاق قائلاً " إن جائزة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، تعدّ من أهم الجوائز، ليس في المنطقة العربية فحسب فهي الأولى طبعاً، ولكن في المستوى العالمي أيضاً، وذلك لرفعة قيمتها ولموضوعية لجان تحكيمها واعتمادها أحدث معايير التحكيم وأكثرها دقة. وعلى هذا النحو فإن الفوز بهذه الجائزة يعتبر إنجازاً علمياً وأدبياً رائعاً وخطوة كبيرة جداً في مسيرة كل باحث أو مترجم أو أديب. لذلك غمرتني سعادة لا توصف كادت تُلجِم لساني وأنا أتلقى اتصالاً كريماً من الدكتور علي بن تميم، الأمين العام للجائزة ، يُعْلِمني فيه بالخبر السعيد".
ويضيف: "إنني سعيد من أجلي ومن أجل "الإنسان الرومنطيقي" أيضاً، إذ إن فوز هذه الترجمة بجائزة الشيخ زايد للكتاب سيمنح الكتاب انتشاراً أوسع وشهرة أكبر، ويكون عاملاً أساسياً لتحفيز عموم القراء على مطالعته، والباحثين المختصين في النقد العربي عامة والأدب الرومنطيقي خاصة على اكتشافه والاستفادة منه".
وينتمي كتاب "الإنسان الرومنطيقيّ" إلى مشروع فكري أكبر عكف جورج غوسدورف على تأليفه مدّة تزيد على خمس وعشرين سنة (1966-1993) ووضع له عنواناً جامعاً هو "العلوم الإنسانيّة والفكر الغربي"، واشتمل على ستة عشر مجلّداً كان فيها "الإنسان الرومنطيقيّ" المجلّد الحادي عشر والثالث بين ستة مجلّدات خصّصها غوسدورف للرومنطيقيّة.
ويصف د. ميهوب كتاب "الإنسان الرومنطيقي" بأنه " كتاب في الأدب، وأكثر من الأدب. وهو كتاب في الفلسفة، وأكثر من الفلسفة"، موضحاً أن "هذا الحكم يصح إطلاقه على أغلب كتب الفيلسوف الفرنسي جورج غوسدورف منذ أطروحته الشهيرة "اكتشاف الذات" (1948) إلى آخر كتبه عن السيرة الذاتية "كتابات الذات: خطوط حياة" (2000)، فهو يمثل، شأنه شأن أستاذه غاستون باشلار، نموذجاً فريداً جداً للتمازج بين التفكر الفلسفي والتأويل الأدبي".
ويلفت د. ميهوب النظر إلى استناد غوسدورف دائماً في كل مؤلفاته الفلسفية إلى نصوص الشعراء والروائيين الأوروبيين من أمثال غوته، ونوفاليس، وفيكتور هيغو، وكافكا، ونرفال..
ويقول معلقاً: "لعل في ذلك دليلاً على فكرة أؤمن بها شخصياً ومفادها أن الأدب والفلسفة توأمان لا غنى لأحدهما عن الآخر، فلا الأديب بقادرٍ على أن يبدع إذا كان خالي الوفاض من زاد فلسفي مهم، ولا الفيلسوف بقادر على التفلسف إذا كان لا يملك رهافة حس الأديب وتجنيح خياله".
ويعود د. ميهوب بذاكرته إلى أيام كان طالباً جامعياً، مستعرضاً بواعث وظروف تحمسه وشحذ همته لترجمة "الإنسان الرومنطيقي"، ويقول: " كان ذلك حلمي وأمنيتي منذ أن عرفت كتاب "الإنسان الرومنطيقي" لجورج غوسدورف، وأنا طالب في السنة الثانية في قسم العربية بجامعة منوبة في تونس. لقد قرأت هذا الكتاب الضخم مرات عديدة وعايشته وعاشرته وتمنيت لو كنت له مؤلفاً. والأهم من ذلك كله أنني أيقنت، بحكم معرفتي بمستوى الدراسات العربية في الفكر الرومنطيقي، بمدى حاجة الباحثين والنقاد العرب إلى هذا المرجع الأساسي لكل باحث مختص في النقد الأدبي.
ومن هنا، أرجو أن يكون في هذه التجربة عبرة يستفيد منها طلابنا الأعزاء وطالباتنا العزيزات في جامعة زايد، وخلاصتها أن كل الإنجازات الرائعة التي يمكن أن ينجزها الإنسان تبتدئ بحلم قد يبدو صعباً في البداية وفوق طاقة الطالب، ولكنّ الإيمان بذلك الحلم وتصديق المرء لحدسه الذاتي يولّدان الثقة في النفس التي تترجَم إلى طاقة هائلة تيسر كل الصعاب، فأدعو أبناءنا وبناتنا إلى أن يحلموا ويثقوا بأنفسهم وستنقاد كل الظروف بحول الله إلى إرادتهم".
الدكتور ميهوب متعدد الوجوه في مناشط الإبداع بما يتجاوز أفق الإبداع في الترجمة إلى الإبداع أيضاً في كتابة القصة والرواية والدراسات، فضلاً عن أنه ناقد وناشط ثقافي ويقوم بالتحكيم في عدد من الجوائز الأدبية.. كيف تنصهر هذه العناصر كلها في بوتقته، وكيف - في الوقت ذاته - ينفصل كل عنصر منها ليَخلُص إلى فضائه الخاص؟
يقول مجيباً عن السؤال: " إنها محاور متقاطعة تتجاذبني كلها في وقت واحد، وأجد نفسي ملزما تجاه كل شخصية منها بواجبات مّا من حيث الوقت والجهد والتركيز والإخلاص. على أني أحاول أن أسرق من كل شخص فيّ بعض الفضائل أمنحها للشخص الآخر: فأستحضر صفة الناقد وأنا أكتب النص السردي الإبداعي، وأعتمد وأنا أترجم على حس المبدع وطموحه إلى كتابة الأفضل على الإطلاق، لكن أعوّل كثيرا في الوقت نفسه على حرص الأستاذ الجامعي ودقته وصرامته في مسألة الأمانة العلمية، وأمارس عملي الأكاديمي البيداغوجي مستلهماً في تعاملي مع طلبتي روح المبدع الفنان. إنها إذن أبعاد متضافرة متداخلة يرفد بعضها بعضاً، يجمع بينها الطموح إلى معانقة الإبداع أينما طلب".
إلا أن المبدع هنا (د. ميهوب) إذا ما سرق نفسه من كل "شخوصه" الإبداعية وجعل الترجمة المبدعة محيطه الوحيد للسباحة فإن الترجمة عندئذ تغويه وتفتنه وتستغرقه، فإن لها معه تاريخاً طويلاً وعميقاً يبدأ من أول محاولة في ترجمة نص، وهو صبي في الثانية عشرة من عمره ..
يقول: "قد يكون لاقتران فعل الترجمة عندي بالسعي إلى اقتناص "الإبداعيّ" في النصّ الأصلي وإحلاله لغة الأنا، دور في نظرتي إلى الترجمة منذ زمن باكر على أنّها فعل إبداعيّ في المقام الأوّل لا يقلّ شرفا ورفعة عن فعل الكتابة.. وقد كنت دائماً ومازلت أتساءل عن السرّ الخفيّ الذي يتيح للمترجم أن يرحل بالنصّ الأدبيّ من لغة إلى لغة أخرى، ومن حضارة إلى حضارة، ومن زمن إلى زمن، فلا يزيده إلاّ تأصّلا في ذاته وبكارة في زمنه. إنّنا نقرأ دوستويفسكي في منتصف القرن العشرين وبلغة عربيّة فصيحة قشيبة ننسى في كثير من الأحيان أنّها ليست لغة النصّ الأصليّة، ومع ذلك لا نزداد إلاّ إحساسا بدوستويفسكي الذي عاش في القرن التاسع عشر في ظلّ روسيا القيصريّة وحمل روح الشخصيّة الروسيّة. تلك هي الترجمة الإبداع : أن تمتلك النصّ الأصليّ وتتشرّبه وتعجنه بتربة أديمك، وتعطيه صورة أصيلة منك تجلّي صورته الأصيلة وتزيدها نصاعة وإشراقاً".
وفي هذا الضوء يؤكد: "الترجمة حاجة إبداعيّة قائمة بذاتها مثلها مثل الحاجة إلى الكتابة والرسم والنحت والموسيقى".
يبقى أن الدكتور ميهوب تلقى إعلان فوزه بالجائزة "أونلاين" .. وليس في حضور حاشد – لأول مرة في تاريخ إعلان الجوائز الكبرى والاحتفال بها، بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي الناجمة عن تفشي وباء "كورونا" حول العالم.
ويعلق على ذلك قائلاً: "إنها تجربة مثيرة وجديدة، وهي الأولى فعلاً في تاريخ الجوائز العالمية الكبرى. ولا أخفيك أنني في شوق إلى عيشها والتعرف إلى المسار الذي ستتخذه. ونحمد الله على أنّ دولة الإمارات الحبيبة لها بنية إعلامية وتكنولوجية قوية جدا تسمح لنا بأن نفرح ونسعد جماعياً حتى في زمن الكورونا والتباعد الاجتماعي".